كنائس العراق.. تراث عمره أكثر من ألف عام يواجه خطر الغياب

تُعد الكنائس في العراق جزءًا مهمًا من المشهد العمراني والثقافي للبلاد، وتشهد على تنوعه الاجتماعي عبر العصور حيث تنتشر هذه الأبنية في عدد من المدن والبلدات، لا سيما في نينوى وبغداد وسهل نينوى وأربيل، ويُقدّر عددها بنحو 300 كنيسة، بعضها يعود إلى قرون مبكرة.

وتتميز هذه المعالم بطرازها المعماري المتنوع الذي يعكس التداخل بين الأساليب الشرقية والمحلية، وتُعتبر جزءًا من التراث الثقافي العراقي، لما تحمله من قيمة تاريخية وفنية.

ورغم ما شهدته خلال العقود الماضية من تدمير وتهميش ونزوح، لا تزال هذه الكنائس تُشكّل شواهد حية على مراحل عمرانية واجتماعية متعددة في تاريخ العراق الحديث والقديم.

ومن أبرز الكنائس التي تحكي تاريخ المسيحية في العراق:

•    كنيسة مار أدي في كرمليس – سهل نينوى
تُعتبر من أقدم الكنائس في العراق، ويُعتقد أن تاريخها يعود إلى القرن الرابع الميلادي وتتميز بنقوشها وجدرانها التي تحمل آثار الزمن وطرازها المعماري الذي يُظهر ملامح الحقبة الساسانية المتأخرة.

•    كنيسة الساعة – الموصل
بُنيت في القرن التاسع عشر بمساعدة راهبات الدومينيكان، وتُعرف بالساعة الكبيرة التي أهدتها فرنسا للكنيسة، فصارت رمزًا من رموز المدينة، ورغم تدميرها جزئيًا خلال فترة سيطرة تنظيم “داعش” بقيت أحد أهم معالم الذاكرة المسيحية في نينوى.

•    كنيسة مار يوسف – بغداد
تأسست في النصف الثاني من القرن العشرين، وتُعد مركزًا رئيسيًا للجالية الكلدانية في العاصمة، حيث تُقام فيها الصلوات والأنشطة الاجتماعية، وتمثل نقطة تواصل بين المسيحيين وبقية أطياف المجتمع البغدادي.

•    دير مار بهنام – قرب الموصل
من أقدم الأديرة في العراق، ويعود تاريخه أيضًا إلى القرن الرابع الميلادي ويمتاز بهندسة حجرية دقيقة وزخارف دينية تحكي عمق الطقوس الروحية الشرقية، ويُعد من المقامات المهمة للمسيحيين في شمال العراق.

واقع مضطرب يهدد كنائس العراق بالاندثار

رغم ثراء هذا الإرث إلا أن كنائس العراق تواجه خطرًا وجوديًا حقيقيًا بسبب مزيج من العوامل الأمنية والسياسية والاجتماعية:

•    الاستهداف المباشر والتفجير
خلال العقدين الأخيرين، وخاصة في فترة اجتياح تنظيم “داعش” (2014–2017)، تعرضت العشرات من الكنائس للتدمير أو الحرق أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية في الموصل وسهل نينوى وحدهما، تضررت عشرات الكنائس، بعضها بشكل لا يمكن ترميمه بسهولة.

•    الهجرة الجماعية للمسيحيين
بسبب غياب الاستقرار وانتشار التهميش والتهديد، غادر مئات الآلاف من المسيحيين العراق منذ عام 2003 وأدّى هذا النزوح إلى إغلاق أو تجميد نشاط العديد من الكنائس، وتحولت بعضها إلى مبانٍ مهجورة بلا رعاة أو مصلين.

•    الإهمال الرسمي والتاريخي
لا تحظى الكنائس بالأولوية في مشاريع الترميم الحكومية، كما أن بعضها غير مدرج على لائحة المواقع الأثرية أو الدينية المحمية مما أدى إلى تساقط الأسقف وتهالك الجدران ونمو الأعشاب داخل الكنائس التاريخية، دون وجود ميزانية ثابتة أو خطة وطنية للحفاظ عليها.

محاولات إنقاذ بمساعدة دولية ومحلية

رغم التحديات، تُبذل جهود متزايدة للحفاظ على كنائس العراق، يقودها مزيج من الجهات الدولية والمحلية:

•    مشروع إحياء روح الموصل – بدعم من اليونسكو
يُعد من أبرز المبادرات الجارية حاليًا، حيث يشمل ترميم كنيسة الساعة في الموصل، إلى جانب معالم إسلامية ومسيحية أخرى، بهدف إعادة الحياة إلى النسيج التاريخي المتنوع للمدينة.

•    تدخلات الحكومة العراقية وديوان الأوقاف المسيحية
بدأت وزارة الثقافة وهيئة الآثار بإدراج بعض الكنائس ضمن خطط الترميم، خاصة في سهل نينوى، مع دعم محدود من الموازنة العامة كما ينشط ديوان الأوقاف المسيحية في ترميم كنائس بغداد والجنوب بالتعاون مع المجتمعات المحلية.

•    جهود الطوائف والكنائس نفسها
تعمل الكنائس الكلدانية والسريانية والآشورية والأرمنية على ترميم ممتلكاتها بجهود ذاتية، وإعادة إحياء النشاط الديني لا سيما في المدن التي عاد إليها المهجرون بعد استقرار الوضع الأمني.

تراث مهدد

تمثّل كنائس العراق ذاكرة حيّة لأحد أعرق المكوّنات العراقية، لكنها مهددة بالغياب ما لم تتحول جهود الترميم والحماية من

مبادرات موسمية إلى استراتيجية وطنية شاملة، تتضمن:

•    إدراج الكنائس ضمن خطط السياحة الدينية والثقافية
•    تخصيص ميزانيات ثابتة لصيانة التراث المسيحي
•    تجريم التعدي أو الإهمال للمواقع الدينية التاريخية
•    إعادة دمج المسيحيين في الحياة العامة كمواطنين لا كأقلية فقط

فالكنيسة ليست جدارًا من حجر، بل تاريخ من الوجود، وسياق من التعايش، وشاهد على حضارة عميقة.

عن mohamed elsady

شاهد أيضاً

السفير البريطاني: التوافقية أضعفت الحكم في العراق وآن أوان إصلاحها

انتقد السفير البريطاني في العراق، عرفان صديق، نظام المحاصصة والتوافقية الذي يحكم المشهد السياسي العراقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *